لالو لم يُخلق مثل باقي الشخصيات بوصفه أداة سردية باردة، بل صُمم كهدية مباشرة للمشاهد، حيث جُهز بكل عناصر الجاذبية: وسيم، مرح، قاتل متقلب. هذا التصميم الذكي جعله يفرض نفسه على الجمهور، بل ويسرق الأضواء من سول نفسه.

شخصية لالو قلبت توازن العمل بشكل غير محسوب. سول جودمان – الذي كان محور المسلسل – انزوى وتحول لمجرد رد فعل على الأحداث، بينما أصبح لالو هو المحرك الرئيسي للدراما، خاصةً مع كيم ويكسلر، التي تحولت من بوصلة أخلاقية إلى شريكة في التورط بفعل حضوره الطاغي.
لالو جمع بين خصائص متضادة؛ قاتل بدم بارد يمرح ويضحك، لكنه لا يُستهان به. لم يكن شريرًا تقليديًا مرعبًا فقط، بل كان ممتعًا في ظهوره، ما زاد من خطورته؛ فهو لا يُرى كتهديد مباشر بل كـ”لعبة خطيرة” يصعب الهروب منها.
لالو ليس فقط خصم خارجي، بل يُجسد احتمالية كامنة في داخل جيمي نفسه، النسخة الأكثر تطرفًا من سول، كما يُعبّر عن ما قد يصبح عليه لو تخلى عن خوفه وضميره بالكامل. لذا، تحول سول من “نصاب طيب” إلى شخصية رمادية تترنح نحو السواد.
بينما مثلت كيم ويكسلر المسار المعتدل والناضج لجيمي، بدا أن تأثير لالو كان أقوى. في النهاية، انسحبت كيم من المشهد بعدما أدركت خطورة التحول الذي أحدثه لالو فيهم جميعًا، ما يُبرز هشاشة “القيم” أمام كاريزما الفوضى والشر الجذاب.
جسر بين عالمين منفصلين
لالو هو من دمج بين خط الكارتيل وخط سول جودمان، مما فتح أبواب التوتر والانفجار السردي بين عالم الجريمة المنظمة وعالم المحاماة، وهي خطوة جريئة ساعدت على تلاحم المسلسل مع أحداث Breaking Bad.
رغم أنه قُتل في النهاية، إلا أن تأثير لالو استمر في ما تبقى من المسلسل، بل وترك أثرًا عميقًا في تحوّل الشخصيات، خصوصًا جيمي الذي اقترب أكثر من نقطة اللاعودة.
ما الذي يجعل لالو مختلفًا عن باقي أعضاء الكارتيل؟

لالو سلامنكا يُعد حالة استثنائية داخل منظومة الكارتيل في Better Call Saul وBreaking Bad. في حين أن أغلب أعضاء الكارتيل يُصوّرون كمجموعة من الهمجيين المتعطشين للمال والدماء، فإن لالو كسر هذا النمط بعدة طرق:
- المتعة لا السلطة: بينما يسعى الآخرون خلف المال أو فرض السيطرة، يرى لالو الصراع كتسلية. كل ما يفعله يبدو كجزء من لعبة ذكية، فيها تحدٍّ وتسويق لنفسه لا كخطر، بل ككاريزما جذابة.
- ذكاء استراتيجي مبهر: لالو ليس مجرد عصبي مندفع، بل كل حركاته مدروسة. يُظهر برودًا غريبًا حتى في أكثر المواقف حرجًا، ويُجيد التلاعب بكل من حوله – بما فيهم خصومه وأصدقاؤه.
- الولاء للأسرة بشكل مختلف: هو الوحيد في عائلة سلامنكا الذي يطبّق شعار العائلة فوق كل شيء، لكنه لا يُضحي بعقله لأجل الولاء، بل يُوظفه بخبث لتمكين العائلة.
- كوميديا قاتلة: يمزج بين حس فكاهي جذاب وسلوك سيكوباتي مرعب، ما يجعله أكثر الشخصيات توازنًا بين الشر والمرح، وهو نقيض كامل لكل من هيكتور سلامنكا أو التوائم القتلة.
- التواصل الشعبي: عكس الكارتيل الآخرين الذين يُفضلون العنف المباشر، فإن لالو يُجيد التحدث مع الجميع، ويُحظى بحب العاملين معه والناس العاديين، ما يجعله أكثر خطورة لأنه لا يُشبه المجرم النموذجي.
لالو هو النسخة المتطورة، القاتلة، الجذابة من الكارتيل. رجل يجيد القتل كما يجيد الابتسام.
كيف غيّرت شخصية لالو توازن القصة في Better Call Saul؟

شخصية لالو لم تكن مجرد إضافة للمسلسل، بل كانت نقطة تحوّل غيرت ديناميكية السرد، وخلقت انزياحًا واضحًا في مركز الاهتمام الدرامي:
- إزاحة سول جودمان من مركزه: في البداية، كان سول (جيمي) هو محور القصة دون منازع، لكن منذ دخول لالو، بدأ التركيز يتحول تدريجيًا. بفضل حضوره الطاغي، أصبح سول مجرد تفاعل ثانوي مع أحداث أكبر منه.
- مفاجأة حتى لصُنّاع العمل: لم يكن من المُخطط أن يكون لالو شخصية محورية، لكن الأداء الاستثنائي لتوني دالتون وقوة الشخصية جعلت الكتاب يعيدون حساباتهم، فتوسّع دوره بشكل غير مسبوق.
- انهيار خط كيم وسول أمام الكارتيل: لالو نقل ثقل السرد من قضايا المحاماة وخلافات كيم وسول إلى مواجهات حياة أو موت. مغامراتهما بدت فجأة “تافهة” أمام الصراع بين لالو، جاس، ومايك.
- الربط بين عالمي القصة: قبل لالو، كان هناك شبه فصل بين عالم سول وكيم وبين عالم الكارتيل. لالو جمع الخطّين وخلق تداخلاً حقيقيًا، ما أدى لاحتكاك غير مسبوق بين كيم ويكسلر وجاس فرينج.
- تأثيره حتى على الشخصيات القوية: جاس فرينج، رمز القوة والانضباط، بدا في قلق مستمر من لالو. أما مايك، فاضطر للتورط أكثر في خطوط لم يكن ليقترب منها لولا وجود هذا العدو الذكي والمفاجئ.
لالو لم يكن مجرد شرير جديد، بل كان زلزالًا سرديًا أعاد ترتيب الأولويات الدرامية للمسلسل بالكامل.
لماذا يعتبر لالو هو النسخة القصوى من سول جودمان؟

لالو وسول جودمان ليسا مجرد خصمين في سياق سردي، بل يُمثّلان جانبين متناقضين لنفس الإمكانية الكامنة داخل شخصية جيمي ماكغيل. لالو هو ما يمكن أن يصبح عليه سول، لو تخلى عن كل أثر للضمير والاعتدال:
- التحوّل الرمزي: جيمي يتموضع بين قطبين: كيم ويكسلر تمثل طموحه الأخلاقي، بينما لالو يُجسد إغواء الفوضى والانحراف. تدريجيًا، ومع ضغط الأحداث، ينجرف جيمي نحو نسخة أقرب للالو.
- نفس الذكاء، مع اختلاف في النية: كلاهما ذكي ويُجيد التلاعب، لكن بينما يستغل سول ذكاءه للنجاة والربح، فإن لالو يوظفه للسيطرة والإمتاع الشخصي في لعبة جريمة بلا ندم.
- القيم مقابل العبث: سول يُحركه المال، الخوف، ومحاولة إثبات الذات. أما لالو فلا تهمه النقود، ولا يُظهر خوفًا. تحرّكه الرغبة في التحكم والتفوق على الجميع ببساطة، لأنه يستطيع.
- الواجهة الخادعة: كلاهما يُتقن التمثيل الاجتماعي. سول يخدع المحكمة والعملاء بضحكته المرسومة، ولالو يُخدر خصومه بسحره وضحكته الدائمة. لكن بينما يظل سول مرتبطًا بالبشر، فإن لالو يعاملهم كقطع شطرنج.
- اللعب بدون كوابح: لالو هو سول دون الكوابح النفسية، دون تردد، دون تبرير. هو الوجه المظلم الكامل، بلا حاجة إلى عذر.
لالو هو ما سيصبح عليه سول جودمان، إن استمر في مساره وتخلى عن أي ذرة إنسانية. هو المرايا التي يرى جيمي فيها مستقبله المُرعب.